غزة/سماح المبحوح :
أجمع محللون وفصائل فلسطينية أن اجتماع المجلس المركزي الذي عقد قبل أيام بمدينة رام الله، لا يلبي متطلبات الشعب الفلسطيني في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها في قطاع غزة والضفة الغربية.
وشدد المحللون خلال أحاديث منفصلة مع لـ "الاستقلال" أن الاجتماع جاء استجابة لضغوط وإملاءات خارجية، حيث خرج باستحداث مناصب، ودون أن يؤكد على مخرجات الدورات السابقة.
وعقد المجلس المركزي الفلسطيني التي تهيمن عليه حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) دورته الـ 32 الأربعاء الماضي، والتي امتدت ليومين في مقر الرئاسة الفلسطينية بمدينة رام الله، دون دعوة وتمثيل كافة القوى والفصائل الفلسطينية منها حركتي الجهاد الإسلامي وحماس، حيث خرج بقرار استحداث منصب نائب الرئيس لأول مرة منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964م.
وحملت الدورة عنوان "لا للتهجير ولا للضم- الثبات في الوطن- إنقاذ أهلنا في غزة ووقف الحرب- حماية القدس والضفة الغربية، نعم للوحدة الوطنية الفلسطينية الجامعة".
وكانت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين انسحبت من اجتماع المجلس المركزي، لتنضم إلى عدد من الفصائل التي قاطعت الاجتماع، ورأت أنه عقد استجابة لضغوط خارجية في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة.
وأعلنت اللجنة الشعبية لتحرير فلسطين عدم مشاركتها في اجتماع المجلس، باعتباره خطوة مجتزأة، في حين أكدت المبادرة الوطنية الفلسطينية بزعامة مصطفي البرغوثي عدم مشاركتها في الاجتماع، مشيرة إلى أن انعقاده من دون الحوار الوطني المعتاد مع القوى الفلسطينية يعزز الانطباع بأنه جاء "لتنفيذ مطالب محددة بضغوط خارجية".
من جانبها، قالت حركة "الجهاد الإسلامي" في فلسطين إن اجتماع المجلس المركزي لم يأتِ استجابة لحرب الإبادة والمعاناة التي يعيشها شعبنا، بل جاء استجابة لضغوط دولية وإقليمية، بهدف استحداث منصب نائب مزدوج لرئيس السلطة في رام الله ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مشيرا إلى أن الشعارات التي رفعتها الدورة تعبر عن خطورة الوضع الراهن، لكنها هُمِّشت خلال الاجتماع، وكأنها قضايا ثانوية غير ملحّة.
بدورها، قالت حركة حماس إن "اجتماع المجلس جاء بعد أكثر من عام ونصف عام على "اندلاع الحرب الإسرائيلية الشرسة وبشكل ناقص لا يعبر عن الإجماع الوطني، ولا يشمل جميع مكونات الشعب الفلسطيني"، داعية إلى تفعيل القرارات السابقة للمجلس المركزي، وعلى رأسها وقف التنسيق الأمني وقطع العلاقات مع "إسرائيل" وتصعيد المقاومة الشعبية والسياسية ضد الاحتلال.
انسحبنا لأسباب عدة
عضو اللجنة المركزية في الجبهة الديمقراطية وسام زغبر، أكد أن انسحابهم من اجتماع المجلس المركزي، جاء احتجاجا على عدم التجاوب مع ما طرحه وفدها من محددات، منها استعادة الوحدة الوطنية وصياغة إستراتيجية عمل وطني لمواجهة تداعيات حرب الإبادة ومخططات الضم وصولا للتهجير في الضفة وقطاع غزة، وعدم تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي ومخرجات إعلان بكين.
وشدد زغبر في حديثه لـ "الاستقلال" إن اجتماع المجلس المركزي جاء استجابة لجملة من الضغوط الغربية، تحديدا أمريكا، منها إدخال تعديلات هيكلية على بنية النظام السياسي الفلسطيني، بما يسمح بوجود يد طويلة لأميركا داخل النظام، وهذا جرى عبر استحداث منصب نائب للرئيس.
وقال:" تفاجئنا خلال الاجتماع بوجود نقطة واحدة على جدول أعمال الدورة، وهو استحداث المنصب، لذلك طالبنا بتأجيله من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع حتى يتاح المزيد من الحوار ومشاركة القوى كافة، لكن طلبنا قوبل بالرفض".
وأضاف:" طلبنا معرفة الأعضاء الذين توجهت لهم الدعوات لحضور الاجتماع، فرفض أيضا طلبنا، بعد ذلك كله ألقينا كلمة بمثابة خارطة طريق لحوار شامل وصولا لإنهاء الانقسام وتنفيذ اتفاق بكين ثم انسحبنا".
يذكر أن فصائل المقاومة الفلسطينية، بمشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، عقدت لقاءات عدة، بهدف إنهاء حالة الانقسام القائمة، كان آخرها في العاصمة الصينية بكين أواسط العام الماضي، حيث تم الاتفاق حينها على تحقيق وحدة فلسطينية شاملة بين جميع الفصائل.
وشدد على رفضهم المشاركة في الاجتماعات القادمة ومقاطعتها في حال عدم دعوة الكل الفلسطيني، مؤكدا أن الاجتماع لا يلبي تطلعات الشعب ومتطلباته في ظل الظروف العصيبة التي يمر بها، وجاء بقرارات فردية بعيدا عن طموحاته.
مضيعة للوقت
هاني المصري مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، رأى أنه لا معنى لعقد اجتماع طارئ للمجلس المركزي استجابة لضغوط خارجية من أجل استحداث منصب نائبٍ لرئيس اللجنة التنفيذية ولرئيس دولة فلسطين، رغم صدور إعلان دستوري (غير دستوري ولا متوافق عليه) في يناير/ كانون الثاني 2025، يقضي بأن يحلّ الرئيس المجلس الوطني 90 يوماً، قابلة للتمديد مرّة واحدة، وإجراء انتخابات رئاسية.
وقال المصري في حديثه لـ "الاستقلال" إن: "هناك تقدير عند الضاغطين بتعذّر إجراء الانتخابات، أو الأصح هناك خشية من نتائجها، وألا تأتي حسب الطلب، لذلك يتم الضغط لاستحداث نائب رئيس مفوّض بالصلاحيات حتى يقوم بدوره فوراً، ويحلّ محله إذا شغر منصبه".
وأضاف:" تشير الدعوة المرسلة إلى الأعضاء لحضور الاجتماع التي سقط منها ما جاء في خطاب الرئيس عن استحداث منصب نائب لرئيس دولة فلسطين، والاكتفاء باستحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية للمنظّمة".
وأشار إلى أنه من المفترض أن اللجنة التنفيذية للمنظّمة هي التي تنتخب رئيس اللجنة التنفيذية، وفق النظام الأساسي للمنظّمة، وبذلك لا خشية من نشوء فراغ في حالة شغور منصب رئيس اللجنة التنفيذية.
ورأى أيضا أن هذا الاستحداث يأتي لإحالة صلاحيات الرئيس فوراً وقبل رحيله، لذلك كان يقاوم طوال السنوات الماضية ذلك، ويتحايل عليه، سواء في المنظمة أو السلطة/ الدولة، لذلك كان المطلوب اختيار شخص أو أكثر، للقيام بإصلاح السياسة الفلسطينية وتفعيلها لتكون أكثر استجابةً للشروط الأميركية والإسرائيلية والإقليمية.
واضاف " أنه بالرغم من ذلك كله، فإن الشعب الفلسطيني بحاجة إلى رؤية جديدة وتغيير وتجديد بنيوي شامل للمسارات والإستراتيجيات المعتمدة سابقاً، من أجل إطلاق مسار قادر على الانتصار، وإلا ستصل الأمور إلى طريق مسدود".
وشدد على أن عقد المجلس المركزي من دون أن تكون الأولوية لبلورة رؤية شاملة جديدة، ووضع خطّة لتنفيذها، وبلا توافق وطني ومشاركة لمختلف القوى والقطاعات (الممثلة وغير الممثلة في المنظمة) مضيعةً للوقت، ودوراناً في المكان نفسه، ما يعمّق المأزق التاريخي الذي تواجه القضية الفلسطينية والنظام السياسي بمختلف مكوّناته.
التعليقات : 0